حكاية القصر الكبير أم حكاية
ألف ليلة و ليلة
بقلم
نور الدين
المودن
ليست
العبرة في إسالة المداد لتأشير درجة إنتشار السلوك الإجرامي، أو تفشي ظاهرة العنف
الإجتماعي و الإنفلات الأمني بمدينة القصر الكبير، وإنما العبرة في معرفة كيفية
اقتراح الحلول الملائمة لمعالجة هذه الامور، وتوخي سبل تطبيقها .. و ما دمنا أمام
قضية خطيرة و معقدة نسبيا لأنها تمس الكيان الجسدي و النفسي، وكذا ممتلكات الأفراد
و المؤسسات الإجتماعية، كما تمس الإنتماء الثقافي و الرمزي، و تخلق نوعا من التسيب
العشوائي، وعدم الانضباط المسبب لحمى الفوضى بالأسواق و الطرقات العمومية.
إذن
ما دمنا أمام هدا الوضع فلابد لنا من التفكير مليا لتحقيق الامن الذي هو حق من
حقوق ساكنة هده المدينة ،كي يكون وضعها الاجتماعي مستقرا نسبيا وغير معرض لأزمات
قوية تحت أي تأثير وفي أي
زمان .. وليس السبيل الى ذلك بتغيير العمداء أو ضباط الامن أو رجال السلطة بصفة
عامة، وإنما بتظافر الجهود وتسخير كل الطاقات المادية و المعنوية من أجل إصحاء
الضمير الجمعي، باعتباره بوتقة ينصهر فيها ضمير كل فرد وذلك بإنشاء تركيب اجتماعي
بقيم و مميزات جديدة، وهذا لا يتم إلا بالتعاون المثمر و التعبئة الرصينة والتطوع
الواعد لواقع المدينة ..لكن ،وكما يقول المثل العامي : << الجديد ليه جدة و
البالي لا تفرط فيه >> وإقتداء بهذا المثل الشعبي يمكننا الرجوع قليلا إلى
الوراء والنبش في ذاكرة هذه المدينة العريقة المتجذرة في التاريخ ...
و
أذكر، كما أعتذر إن خانتني ذاكرتي في ضبط بعض التفاصيل، أنه من بداية السبعينات تم
توقيع عقود شراكة بين مفوضية الشرطة و السيد وكيل جلالة الملك ورئيس المجلس البلدي
حينها تم الإتفاق على وضع خطة عمل محكمة لحفظ انتشار الجريمة بكل أنواعها ومظاهر
العنف والفوضى حتى التسكع الغير القاصد بعد منتصف الليل بكل أرجاء المدينة، كل ما
لديه من إمكانيات مادية ومعنوية للمساهمة في
بناء هدا المشروع الامني الضخم و المهم، مما قام به رئيس المفوضية بتوظيف معاونين
لرجال الشرطة من شباب المدينة وبعض الجنود المتقاعدين في حين تكلف رئيس المجلس
البلدي برواتبهم المكونة من أكياس الدقيق والزيت وغيرها من الإعانات .
حتى
أطلق سكان المدينة عن هؤلاء ( بوليس الطحين ) اما السيد وكيل جلالة الملك فقد أمر بتشديد العقوبة
لكل من سولت له نفسه أن يمس حرية الفرد أو الجماعة أو الممتلكات الخاصة و
العمومية، و بهذا أصبحت المدينة آمنة رغم ما كانت تعيشه من بطالة وفقر وضعف
البنيات التحتية
وفي
أواخر الثمانينات وبداية التسعينات تمت عقدة بين مفوضية الشرطة والمكتب الجهوي
لاستثمار الفلاحي بتزويد الاخيرة ببعض السيارات التي وضعت رهن اشارة الشرطة من
الليل الى الصباح .
كان
هدا بالأمس القريب لكن اليوم هل تصدق أن القصر الكبير من أعرق و أقدم مدينة بناها
الرومان في القرن الاول الميلادي والتي كانت تضاهي مثيلاتها في الغرب و الشرق آنا
ذاك .
هل
تدري أنها الآن تنام مهملة بين جهالة البداوة وفوضى التسيب تفترش الوحل وتجعل لها
من الغبار لحافا ؟ من يصدق أن القصر الكبير المدينة الرومانية البربرية العربية
الأندلسية هي الان تحتضر بين أحضان أبنائها الابرار على قبلتهم؟ وهذا أدنى ما يمكن
الإقرار به ...
فمن
الذي يمنعها أن تكون مدينة في حجم مثيلتها كشفشاون وأصيلا ..؟
هل
هو تخطيط المجالس البلدية المتعاقبة أم موقعها الجغرافي والسياسي ..؟
أم
ابتعاد ساكنتها عن الانغماس في مشاكلها وتعمد إغلاق أذانهم عن سماع أناتها
ونداءاتها المتوسلة ..؟
والله
تم والله وأقولها بصراحة لا خير لنا ولا قيمة لنا إذا تركنا مدينتنا التي هي جزء
من وطننا تهوى أمام أعيننا، ونحن نتجاهل ما يجري في أوصالها وما يدور في خلد
اسيادها و القائمين عليها الذين هم في حاجة ماسة لنا لنقف بجانبهم، لأننا لو
أحصينا عدد سكان المدينة وعدد رجال الشرطة لتملكنا الخجل من أنفسنا، وكلما ابتعدنا
عن معرفة الحقيقة فحتما سوف نسقط في أحضان الشائعات ...
لقد
أصبحت حكاية مدينة القصر الكبير اليوم كحكاية ألف ليلة وليلة يمتزج فيها الواقع و
الخيال، المعقول و اللا معقول، الخرافة والعلم، الخارق والغريب، البداوة و التمدن،
الامن والخوف، حتى أننا غدونا لا نجد حتى تفسيرا معقولا لسياستها و تخطيطاتها
وآفاق مستقبلها
غير
ما يدور من شائعات لا تمت بالواقع والحقيقة بصلة، أصبحت حكاياتها تمويهية ولا
معقولة تخالف عصر العقل وتجعلنا نعيش حياة البداوة والجهل بكل تجلياته الما قبل
تاريخية .. كما تجعلنا نعيش رواج الليالي لنتفرج على رقصات المصابيح والشعارات و
الطلاسيم فلا نقف إلا متعجبين مندهشين لا نقدر على شيء، وكأننا نتنفس هواء يحمل
مخدر.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق